ولادة خارج الصندوق

Published on 16 November 2025 at 14:05

 .

في لحظةٍ ما، حين ينكسر الإنسان على حافة ذاته، لا يُولد من رحم الدمار كائنٌ مهزوم، بل يطلّ من بين شظايا الروح إنسانٌ آخر—أنتَ، لا بمعنى التكرار، بل بمعنى التحوّل. لا تهرب منه، ولا ترتجف أمام مرآته؛ فذاك الذي ينهض من رمادك ليس غريبًا، بل هو أنتَ بعد أن خضتَ معركةً لم تُعلن عنها السماوات، لكنها دوّت في أعماقك كزلزالٍ صامت. إنّه بطلُ الجراح، المنتصرُ على أوهامك، المُعلِنُ من قلب الظلام أنّ لا سيفَ بعد اليوم يُهدّد سلامَك الداخلي، ولا غضبَ عابرًا يُفلت من عقاله ليُشوّه هالةَ الهدوء التي نسجتها من خيوط الألم
لقد تعلّم هذا الجديد أنّ لا شيء في هذا العالم يستحق أن يُراق من أجله دمعٌ أو يُسفك له غضبٌ. كلّ الأمنيات التي كانت تُضيء سماءك كالنجوم، صارت الآن كحبّات رملٍ في كفّ الزمن—لا تتفاوت في الوزن، ولا تختلف في المصير. الناسُ أنفسهم، أولئك الذين احتلّوا عروشَ القلب أو عروشَ الحقد، صغُرت أقدارهم فجأةً، لا لأنّهم تغيّروا، بل لأنّك ارتفعتَ عن مستوى أعينهم، فباتت المسافاتُ بينك وبينهم متساويةً كأفقٍ لا يميّز بين نجمٍ وغبار. لم يعد لأحدٍ أن يُثقل كاهلك بثقله، ولا أن يُقيّد خطاك بسلاسلِ توقُّعاته

أكتب في هذه اللحظات التي لا يقترب منها أحد، لأن فيها الحقيقة التي يخشاها العالم
أنك حين ترتفع، لا يعود لأحدٍ سلطانٌ على خطواتك
لا توقّعات تُكبّلك، ولا ذاكرة تقودك إلى الخلف
تصبح سيدًا لأرضك، مالكًا لسكينتك، وحارسًا لبوابة يومك

فطالما أنا سيدُ أرضي، لا يُقيّدني سياجٌ من خوفٍ ولا قيدٌ من وجع. أُكدحُ في بستاني كمن يزرعُ الأملَ بدلَ الحبّات، وأغنّي، لا لأنّ الغناءَ فرحٌ دائم، بل لأنّ في صوتي خلاصةَ التمرِ والعنبِ، وعصارةَ الليالي التي لم تنمْ. لستُ عبدًا لبدايةٍ تُرهقني، ولا أسيرَ نهايةٍ تُرهبني؛ فالأملُ ذخيرتي، ويومي سيفي ودرعي، ونفسي جناحي الذي لا يرضخُ للقهر، ولا يُسلّمُ للظلام. تباً لكلّ ما يحاول أن يُعيدني إلى قفصِ الأمس! فها أنا، بعد الانكسار، أشدُّ من عرى الوجود، لا لأُقاوم، بل لأُزهر